تعليق الشيخ صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء على تنفيذ حكم القصاص بحق 47 إرهابياً
الشيخ العلامة معالى الدكتور صالح بن فوزان الفوزان
حفظه الله تعالى
مقدم البرنامج: فضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان عضو هيئة كبار العلماء وعضو اللجنة الدائمة للإفتاء، حيَّاكم الله.
استمعتم إلى البيان الذي أصرته وزارة الداخلية صباح هذا اليوم، والذي أعلنت فيه تنفيذ حد القتل وحد القتل تعزيرًا وحد الحرابة في سبعة وأربعين أرهابيًا في إثنتي عشرة منطقة من مناطق المملكة العربية السعودية، فما تعليقكم؟
الشيخ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، أمَّا بَعْد،
فإن الحكم الشرعي في الذين يفسدون في الأرض، ولا يصلحون ويريدون أن يُخِلّوا بالأمن، وأن يخرجوا عن جماعة المسلمين حكم الله فيهم أنهم من المفسدين في الأرض، وأنهم من البغاة أومن الخوارج، تتنازعهم هذه المذاهب، وأشَّد من ذلك أنهم من المفسدين في الأرض، واللهٌ -جَلَّ وَعَلاَ- يقولُ: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ* إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، إن الأمن حقٌ للجميع، وإن ولي الأمر هو القائم على هذه الدولة الإسلامية المباركة وكذلك جنوده، ورجاله وكذلك العلماء، وكذلك كل من يؤدي إلى هذه الدولة عملًا من الأعمال الموكلة إليه، فإن هذا من التعاون على البرِّ والتقوى، والله -تَعَالَى- يقول: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
فلابد من التعاون، ولابد أن يؤدي كل مسؤؤل عمله الموكول إليه، قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « الدِّينُ النَّصِيحَةُ، قِيلَ: لِمَنْ يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ، وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَعَامَّتِهِمْ».
فهذا واجبٌ على الجميع، أن يؤدي كل مسؤولٍ عمله، وكذلك كل فردٍ من الرعية عليه أن ينصح لله ولرسوله؛ ولأئمة المسلمين وعامتهم، لأن الأمن أمن الجميع والدولة دولة الجميع، والبلاد بلاد الجميع؛ واللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- أمر بالتعاون، وأمر بأن ينصح كل مسؤول في عمله الموكول إليه بأن يؤديه على الوجه المطلوب، هذا هو الواجب على الجميع، وأن يُبلَّغ عن كل من يريد أن يُخِلَّ بهذا الأمن، أو يُخلَّ بهذا لإجتماع المبارك أن يُبلَّغ عنه، واللهُ -جَلَّ وَعَلاَ- لا يحب الخيانة، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، فهذا من الأمانة؛ اللهُ -جَلَّ وَعَلاَ- قال لولاة الأمور: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً)، يعني أن تؤدوا الوظائف إلى أهلها الذين يقومون بها، من المؤهلين والناصحين وهذا لأجل أن تتم مصلحة المسلمين، كلٌ يؤدي ما وُكل إليه، وإذا حصل من أحدٍ من يريد أن يٌحاول أن يشقَّ عصا الطاعة من علم به فيجب عليه أن يبلغ عنه ولو كان من أقرب الناس إليه، ولا تأخذه في اللهِ لومة لائم، ولا محاباة لأن هذه خيانة، واللهٌ -جَلَّ وَعَلاَ- لا يحبُ الخائنين، فهذا من الواجب على الجميع، والأمن أمن الجميع، والبلاد بلاد الجميع واللهٌ -جَلَّ وَعَلاَ- أمرنا بالمحافظة على بلادنا وعلى ديننا، وعلى مصالحنا، وألاَّ نسمح للعابثين والمفسدين بيننا بأي اسمٍ تسَّموا وبأي مذهبٍ تمذهبوا فإن المسلمين على دين الكتاب والسُنَّة؛ وكل ما خالف الكتاب والسُنَّة فإنه منكر يجب انكاره، ويجب إنهاؤه عن المسلمين، وهذا هو الواجب على الجميع، أفرادًا وجماعات ولا يجوز لأحدٍ أن يسكت على من نريد أن يخَّل بهذا الأمر ولو كان من أقرب الناس إليه، فالنَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: « مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ؛» كانوا يأخذون الماء من الطبقة العليا ويرجعون إلى من فوقهم، « فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا».
فهذا هو واجب المُسلمين وهذا هو الحق، وهذا هو الذي أمر الله بهِ وأمر بهِ رسُولهُ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولا تتمُ مصالح المُسلمين ولا يتحقق الأمن ولا تقُوم الجماعة إلا على هذا الأمر هذا التناصح، هذا التعاون، هذا الترابط بين المُسلمين.
لا شكَّ أن هُناك من يعْبَثون بالأمن لاشك أن هُناك أعداء مدسُوسين ومَدْفُوعِين أو يَعْتنقُون مذهبًا مُخالفًا لمنهج الكتاب والسُنة فهذا هو الذي يجبُ الأخذُ على أيديهم، هؤلاء هم الذين يجبُ الأخذُ على أيديهم لئلا يُفسدوا في المُجتمع ولئلا يُخلوا بالأمن ولئلا يُفرقوا كلمة المُسلمين ولئلا يكون مدخلًا للأعداء على هذا المُجتمع المُبارك، فالله –جَلَّ وَعَلاَ- أوصانا بهذا قال اللهُ - جَلَّ وَعَلاَ- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) والردُ إلى الله هو الردُ إلى كتاب الله، والردُ إلى الرسُول هو الردُ إليهِ في حياته - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبعد موته يكون الرد إلى سُنته، ويتولى هذا أهل العلم وأهل الحلِّ والعقد؛ قال الله جَلَّ وَعَلاَ- (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً).
فواجبٌ على جميع المُسلمين كلٌّ على ثغرة من ثُغُور الإسلام كلٌّ يقُومُ بما يجبُ عليه كلُّ يُحافظ على مصلحة المُسلمين، ومصلحة المُجتمع، كما يُحافظ على مصلحتهِ هو وأشد لأن هذا هو الذي أوصانا الله - جَلَّ وَعَلاَ- بهِ قال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: « أُوْصِيكُم بِتَقْوَى الله وَالَّسَمْعِ وَالَّطَاعَة وَإنْ تَأَمْرَ عَلَيْكُم عَبْد فَإِنْهُ مَن يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرىَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلْيكُم بِسُنَتِي وَسُنَة الْخُلَفَاء الَّرَاشدِين الْمَهْدِينْ مِنْ بَعْدِي، تَمَسَكُوا بِهَا وَعُضُوا عَلَيْهَا بِالَنَوَاجِذ وَإِيَاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُور فَإنْ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَة وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالة». كلُ مسلمٍ فهو رجلُ أمن، كلُّ مسلمٍ في هذهِ البلاد فهو رجلُ أمن؛ يحرصُ على حفظِ هذا الأمن للجميع فإذا رأى أو استراب في شيء فإنهُ يُبلغُ عنهُ أهل الحلِّ والعقد ليراجعوا هذا الشيء ويمنعُ ما يُفسدُ الكلمة ويُفرق الجماعة، هذا واجب الجميع وهذه بلاد الجميع، وهذه شريعة ماضية من الله -عَزَّ وَجَلَّ- إلى أن تقوم الساعة.
لا شكَّ أنهُ يحدث في الأرض مفسدون لا شك أن هناك من يُريد أن يخرق السفينة لأجلِ أن يغرق الجميع، ولكن يجب الأخذ على مثلِ هؤلاء بما يرَّدعهُم ويكُفُّ شرهم ويمنع بغيَّهم ولهذا شرع الله قتال الخوارج، وشرع قتال البُغاة من أجل حفظ الكلمة ومن أجل البقاء على الجماعة ومن أجلِ صيانة الأمن ولا تصلح الأمور فوضى قال الشاعر:
لَا يَصْلُحُ الَّنَاسُ فَوْضَى لَا سَراةَ لَهُمْ ****** وَلَا سَراةَ إذَا جُهَالُهُمْ سَادُوا
الْبَيتُ لَا يُبْنَى إِلَا عَلى عَمَدٍ ****** وَلَا عِمَادَ إِذَا لم تُرْسَ أَوْتَادُ
فَإنْ تَجْمَعَ أَوْتَادٌ وَأعْمِدَةٌ ******* وَسَاكِنٌ بَلَغُوا الأَمْرَ الَّذِي كَادُوا
فلا بُد من هذا، وهذا ما أمرنا الله بهِ وأمرنا بهِ رسولهُ وأجمع عليهِ سلفُ الأُمة وخلفها؛ فلا يجوز أن نتساهل في هذا الأمر أو أن نُلقي باللائمة على غيرنا أو بالمسؤولية على غيرنا، كلٌّ مسؤولٌ من المُسلمين أن يُحافظ على هذا الأمن وما يُخِلُّ بهِ ومن كان بيدهِ سُلطة فإنه يقومُ بسلطتهِ؛ ومن كان ليس بيدهِ سُلطة فإنهُ يُبلغ أهل السُلطة الذين بيدهم الحل والعقد، هذا هو واجب الجميع والأمن أمن الجميع والبلاد بلاد الجميع والدولة دولة الجميع، ولا بُد من التعاون على صيانتِها وحمايتها وكفِّ السوء عنها ولا بُد من الحذر ممن يدسون أنفسهم بيننا ويستغلوا شبابنا ويستغلوا المُغَرَّرِينْ منا فيملؤوا أدمغتهم من الشبهات، لا بُد من تثقيف المجتمع لا بُد من تدليس العقيدة الصحيحة التي سار عليها المُسلمون من عهد الرسُول –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتتلخص فيما كتبهُ شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمهُ الله – في العقيدة الواسطية؛ فإنها عقيدةٌ جمعت ما يجبُ على المُسلمين أن يأخذوا بهِ لأجلِ حماية دينهم أولًا، وحماية أمنهم ثانيًا، وحماية بلادهم وحماية شرفهم، كلُّ هذا مما يجب على المُسلمين أفرادًا وجماعات هذا هو واجب الجميع والله وليُّ التوفيق.
وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِينا مُحَمد وَعَلى آلِهِ وَأصْحَابهِ أَجْمَعِين .