عبد الرزاق عفيفي

9:08 ص

اسمه ونسبه : 

هو العالم الجليل والسلفي النبيل عبد الرزاق بن عفيفي بن عطية بن عبد البر بن شرف الدين النوبي ولد في الربع الأول من القرن الرابع عشر الهجري وعلى وجه التحديد في السابع والعشرين من شهر رجب سنة 1323 هـ الموافق 16 ديسمبر سنة 1905 م ، في قرية شنشور مركز أشمون التابع لمحافظة المنوفية وهي إحدى محافظات مصر . 

نشأته وبيئته : 

نشأ الشيخ عبد الرزاق في بيئة معطرة بأنفاس القرآن الكريم وسط أسرة محافظة وفي مجتمع ريفي بعيد عن فتن الحواضر ومفاسدها . 

ففي قرية شنشور ، تلك القرية الهادئة المتواضعة التي تترابط أسرها وتمتزج في كيان واحد وتتنسم عبير الإخاء والود : في هذه القرية نشأ الفتى عبد الرزاق عفيفي ، نشأة صالحة ، تغمرها العاطفة الدينية الجياشة وتوثق عراها سلامة الفطرة وحسن الخلق والبعد عن الخرافات والخزعبلات وكان لهذه النشأة الطيبة أثرها البالغ في حياة المترجم له حيث بدأ حياته العلمية بحفظه لكتاب الله تعالى حفظاً متقناً مع تجويده على يد عدد من مشايخه آنذاك ومنهم الشيخ محمد بن حسن عافية والشيخ محمد بن عبود عافية هذا فضلاً عن والده الذي قام على تربيته وتنشئته أحسن ما ينشأ الفتيان الذين في مثل سنه ، قال الشاعر : 

وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه
وما كان الفتى نجماً ولكن يعوده التدين أقربوه

أصوله وفروعه :

ينتمي الشيخ عبد الرازق عفيفي إلى أسرة كريمة ، طيبة الأخلاق محمودة السيرة حسنة السمعة متمسكة بالأخلاق الإسلامية وأخلاق أهل القرية والريف التي لم تتلون بمظاهر الحضارة الكاذبة .

فوالده هو الشيخ عفيفي بن عطية النوبي ، من مشاهير قرية شنشور وصالحيها ، كان حافظاً لكتاب الله تعالى ، وكان الشيخ عبد الرازق كثيراً ما يتحدث عن والده للخاصة من طلابه وقد ذكر لي فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام – حفظه الله – أنه رأى والد الشيخ عبد الرازق عند أول قدوم له إلى المملكة سنة (1368هـ) وهي نفس السنة التي قدم فيها الشيخ عبد الرازق إلى أرض الحرمين الشريفين وكان والد الشيخ عبد الرازق يرتدي العمامة البيضاء المستديرة فوق رأسه وهي لباس أهل مصر آنذاك .

فروع الشيخ عبد الرزاق عفيفي :

إن من أعظم النعم وأكبر المنن أن يوفق الإنسان بعد تقوى الله عز وجل إلى زوجة صالحة تعينه على أمر دينه ودنياه ، تطيعه إذا أمر وتسره إذا نظر ، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله ، تتقن عملها وتعتني بنفسها وبيتها وزوجها ، فهي زوجة صالحة ، وأم شفيقة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها ولا أدل على ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم : " المرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها " وقوله صلى الله عليه وسلم وقوله عليه الصلاة والسلام : " الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة" وقوله صلى الله عليه وسلم :" من سعادة ابن آدم المرأة الصالحة ، والمسكن الصالح والمركب الصالح "

ولقد كان من نعم الله وحسن بلائه على فضيلة الشيخ عبد الرزاق أن وفقه لزوجة صالحة وسيدة فاضلة من أسرة كريمة وعائلة فاضلة هي عائلة (سالم ) بالإسكندرية ، وأصلها من إسنا بصعيد مصر وقد رزقه الله منها عدداً من البنبن والبنات .

أما الأبناء فهم :

1- المهندس الزراعي أحمد عاصم بن عبد الرزاق عفيفي ولد سنة 1364هـ - 1944م ، وتوفى في حرب العاشر من رمضان سنة 1393هـ - 1973م بمصر 

2- الأستاذ محمد نبيل بن عبد الرزاق عفيفي – حفظه الله – ويعمل مراقباً مالياً بالخطوط السعودية بجدة ، وهو من أبر أبناء الشيخ وأرعاهم لحقوقه في حياته وبعد وفاته جزاه الله خيرا وهو من مواليد سنة 1366هـ - 1946 م 

3- الأستاذ محمود بن عبد الرزاق عفيفي – حفظه الله – عمل مدرساً بالرياض ثم ترك التدريس وتفرغ لخدمة والده في السنوات الأخيرة من حياته – رحمه الله – فجزاه الله خيراً وجعل أعماله الصالحة في موازين حسناته ، وهو من مواليد سنة 1369 هـ - 1949م .

4- الأستاذ عبد الله بن عبد الرزاق عفيفي توفى في حياة والده سنة 1412هـ - 1992م – رحمة الله 

5- الأستاذ عبد الرحمن بن عبد الرزاق عفيفي توفى في حياة والده اثر حادث وقع عليه سنة1408-1988 وكان من طلبه العلم المبرزين ومن اكثر أبناء الشيخ اتصافا به وكان يعمل بالرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء بالرياض – رحمه الله . 

واما البنات فثلاث وقد أكرمها الله بأصهار صالحين بررة ولا نزكي علي الله أحدا نحسبهم كذلك وكان الشيخ عبد الرزاق – يرحمن الله –يهتم بتربية أولاده بل وحتى أحفاده وينشئهم تنشئة صالحة – فكانوا مثالا في الاستقامة والبر ورعاية واداء الأمانات .

أوصافة الخلقية وصفاته الخلقية :

أوصافة الخلقية : 

كان رحمه الله قوي البنية جسيما مهيبا طويل القامة عظيم الهامة مستدير الوجه قمحي اللون له عينان سوداوان يعلوهما حاجبان غزيران ومن دون ذلك فم واسع ولحية كثة غلب البياض فيها علي السواد وكان عريض الصدر ، بعيد ما بين المنكبين ، ضخم الكفين والقدمين ينم مظهره عن القوة في غير شدة . 

هيئته ولباسه : 

كان الشيخ عبد الرزاق – رحمه الله – حسن الهيئة ، جميل المظهر في غير تكلف ، له سمت خاص في لباسه ، يرتدي ثوبا فضفاضا أشبه ما يكون بلباس أهل مصر ، إلا أنه محاك على السنة . وكان يعجبه اللباس الخشن من الثياب في غالب الأوقات وهو سلفى المظهر والشارة .
ومجمل القول : أن الشيخ – رحمه الله – كان رجلا متميزا في هيئته ولباسه يرتدي ما يراه متفقا مع مكانة العلم والعلماء وظل متمسكا بهذه الهيئة المتميزة من اللباس إلى آخر حياته المليئة بالجد والكفاح والمثابرة . 

هيبته : 

كان الشيخ – رحمه الله – رجلا مهيبا ، من رآه بديهة هابه ، فيه عزة العلماء ، لا يتزلف إلى أصحاب المناصب زائرا أو مزورا ، يقول أحد تلاميذه : إن الشيخ كان يفرض احترامه على طلابه وكان الطلاب يهابون حياء ويقدرونه في أنفسهم وما سمعت منه كلمة مؤذية قط . 

لقد كان الشيخ مهيبا حقا ومع هذه الهيبة كان آية في التواضع وحسن المعاشرة وعلو الهمة ، بعيدا عن الصلف والتكلف المذموم ، أبيا عزيز النفس وكأن الشاعر قد عناه بقوله : 

يقولون لي فيك انقباض وإنما رأوا رجلا عن موقف الذل أحجما 
أرى الناس من داناهم هان عندهم ومن أكرمته عزة النفس أكرما 
ولم أقض حق العلم إن كان كلما بدا طمع ضيرته لي سلما 
وما كل برق لاح لي يستفزني ولا كل من لاقيت أرضاه منعما 
إذا قيل هذا منهل قلت قد أرى ولكن نفس الحر تحتمل الظمأ 

فصاحته : 

اللغة العربية لغة جميلة فهي لغة القرآن والسنة ، أسلوبا ومنهجا ومقصدا ومغزى فهي الطريق إلى فهمها والعمدة في إدراك أسرارهما فهي بحق من مستلزمات الإسلام وضروراته . 

والشيخ عبد الرزاق عفيفي – رحمه الله – يعد وبجدارة من أرباب الفصاحة وأساطين اللغة في علم النحو الخاصة وعلوم العربية كافة . 

كان آية في التحدث بلغة الضاد ( اللغة العربية الفصحة ) كتابة ومحادثة وكان هذا بيان مشرق متدفق وأداء جميل ونبرات مؤثرة في غير تكلف وكان إذا تكلم أسمع وعقل عنه . 

وكانت إحاطته بمفردات اللغة العربية تكاد تكون شاملة وهو إلى جانب ذلك سهل العبارة ، عذب الأسلوب ، تتسم عباراته بالإيجاز والإحكام والبيان والجزالة وكان بعيدا عن التكلف والتمتمة والفأفأة والتنطع والتشدق . 

وإني أتمنى أن يعتني طلبة العلم وحملة الشريعة ورواد المعرفة بهذه اللغة العظيمة ، اللغة العربية ، لغة القرآن الكريم . 

عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : : تعلموا العربية فإنها من دينكم " وعن عمرو بن زيد قال : " تفقهوا في السنة وتفقهوا في العربية وأعربوا القرآن فإنه عربي " . وقال عبد الحميد بن يحي : " سمعت شعبة يقول : تعلموا العربية فإنها تزيد في العقل " . 

وقال عبد الملك بن مروان : " اللحن في الكلام أقبح من الجدري في الوجه " . وأوصى بعض العرب بنيه فقال : " يا بني أصلحوا ألسنتكم فإن الرجل تنوبه النائبة فيحتال فيها فيستعير من أخيه دابته ومن صديقه ثوبه ولا يجد من يعيره لسانه " . 

وقال ابن تيمية – رحمه الله - : " الدين فيه فقه أقوال وأعمال . ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله وفقه السنة هو الطريق إلى فقه أعماله " . 

فراسته : 

قال ابن القيم – رحمه الله - : الفراسة الإيمانية سببها نور يقذفه الله في قلب عبده ، يفرق به بين الحق والباطل والحال والعاطل والصادق والكاذب وهذه الفراسة على حسب قوة الإيمان فمن كان أقوى إيمانا فهو أحد فراسة وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه ووقائع فراسته مشهورة فإنه ما قال لشيء : " أظنه كذا إلا كان كما قال " ويكفي في فراسته موافقته ربه في مواضع عدة . 

وفراسة الصحابة رضي الله عنهم أصدق الفراسة وأصل هذا النوع من الفراسة من الحياة والنور اللذين يهبهما الله تعالى لمن يشاء من عباده فيحيا القلب بذلك ويستنير فلا تكاد فراسته تخطيء . قال تعالى : ( أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ) . 

قال بعض السلف : من غض بصره عن المحارم وأمسك نفسه عن الشهوات وعمر باطنه بالمراقبة وظاهره باتباع السنة لم تخطيء فراسته . 

قال الماوردي – رحمه الله - : ينبغي أن يكون للعالم فراسة يتوسم بها المتعلم ليعرف مبلغ طاقته وقدر استحقاقه ، ليعطيه ما يتحمله بذكائه أو يضعف عنه ببلادته فإنه أروح للعالم وأنجح للمتعلم . 

والشيخ عبد الرزاق عفيفي – رحمه الله – ولا أزكى على الله أحدا كان صاحب بصيرة نافذة وفراسة حادة يعرف ذلك عنه من خالطه وأخذ العلم على يديه ومما يدلل ويؤكد على فراسة الشيخ أنه كان يتأمل وجوه تلاميذه ويتفرس فيهم فيعرف المجد من الخامل والنابه من الجاهل فيخص هؤلاء بعلم قد لا يخص به أولئك . وثم دليل آخر على فراسة الشيخ أنه كان – رحمه الله – يدرك حقيقة ما يعرض عليه من المشكلات ويتأمل وجوه أصحابها فيكشف ما وراءها من الدوافع ببصيرته الفذة وقلما ينطلي عليه مكر أو احتيال . ومما يدل كذلك على صدق فراسة الشيخ ومعرفته بالرجال ما ذكره فضيلة الشيخ عبد العزيز بن محمد عبد المنعم قائلا : حدثني – رحمه الله – في مجلس الفتوى في ( منى ) فقال : إذا سأل البدوي عن مسألة وكان الجواب موافقا لما يهوي فإنه يسأل سؤالا آخر قريبا من الأول أو بعيدا أما إذا كان الجواب بخلاف ما يهوى فإنه يسأل سؤالا آخر قريبا من الأول أو بعيدا أما إذا كان كان الجواب بخلاف ما يهوى فإنه يسكت وينصرف . 

وهكذا أكسبه طول التعامل مع المستفتين معرفة لنفسياتهم فكانت إجاباته بإيضاح الحكم فيما يسأل عنه من التوسع أو من الإيجاز ، ملحوظا فيها ما ينقدح في ذهنه من مقصد السائل عند إلقاء السؤال من رغبة في معرفة الحكم الشرعي في المسألة أو في خلاف ذلك . 

ولله در من قال : 

ألمعي يرى بأول رأي آخر الأمر من وراء المغيب 
لوذعي له فؤاد ذكي ما له في ذكائه من ضريب 
لا يروي ولا يقلب طرفا وأكف الرجال في تقليب 

قوة حافظته وحضور بديهته : 

كان رحمه الله قوي الحافظة ، سريع البديهة ، مستحضر الفهم ، شديد الذكاء وافر العلم غزير المادة ، صاحب ألمعية نادرة ونجابة ظاهرة . 

إن نعمة الحفظ وقوة الذاكرة من أقوى الأسباب – بعد توفيق الله عز وجل – على طلب العلم ولقد كان لهذه الحافظة القوية والذاكرة الجبارة أثرها البالغ في تحصيل ثروته العلميه والتي بنيت على محفوظاته التي علقت بذاكرته في مرحلة التعلم والتعليم وقد رزقه الله من الذكاء وقوة الحفظ ما مكنه من إدراك محفوظاته العلمية عن فهم وبصيرة فكان الشيخ يدرك حقيقة ما يعرض عليه من المشكلات فيكشف ما وراءها من الدوافع بتوفيق الله ثم بذكائه الحاد وبصيرته النافذة ولم يكن ينطلي عليه خداع أو احتيال . 

ومما يؤكد ويبرهن على قوة حافظة الشيخ وسيلان ذهنه أن أحد الموظفين بإدارات البحوث العلمية والإفتاء سأل الشيخ وأنا جالس بجانبه – في مقر هيئة كبار العلماء بمدينة الطائف – عن مرجع لمسألة يريد أن يرجع إليها فدله الشيخ على كتاب المغنى لابن قدامه وذكر له الجزء والصفحة والمكان وهذا إن دل فإنما يدل على شدة ملاحظته وتوقد ذهنه – رحمه الله . 

وثم دليل آخر يؤكد على قوة ذاكرة الشيخ وهو أنه رحمه الله كان يقص قصصا ويذكر أحداثا ووقائع من أعماق التاريخ ترجع إلى أكثر من ثلاثة أرباع القرن ، يذكرها وكأنها ماثلة أمام عينه . 

وثم دليل ثالث على عمق حافظة الشيخ وحضور بديهته ، ما ذكره أحد تلامذته من أن الشيخ أملى عليهم من حفظه في مادة التفسير أكثر من مائة صفحة . 

ويؤكد هذا كله فضيلة الشيخ محمد بن سعد السعيد قائلا : " لقد حباه الله قوة الحافظة والدقة في الفهم وسرعة البديهة وحصافة الرأي مع اتسامه بالورع والزهد والتواضع . 

وفور عقله وبعد نظره : 

إن من المسلم به أن لكل فضيلة أسا ولكل أدب ينبوعا وأس الفضائل وينبوع الآداب هو العقل الذي جعله الله تعالى للدين أصلا وللدنيا عمارا فأوجب التكليف بكماله وجعل الدنيا مدبرة بأحكامه وألف به بين خلقه مع اختلاف همهم ومآربهم وتباين أغراضهم ومقاصدهم . 

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أصل الرجل عقله وحسبه دينه ومروءته خلقه وقال الحسن البصري رحمه الله : ما استودع الله أحدا عقلا إلا استنقذه به يوما وقال بعض الأدباء : صديق كل امريء عقله . 

وقال إبراهيم بن حسان : 

يزين الفتى في الناس صحة عقله وإن كان محظورا عليه مكاسبه 
يشين الفتى في الناس قلة عقله وإن كرمت أعراقه ومناسبه 
يعيش الفتى بالعقل في الناس إنه على العقل يجري علمه وتجاربه 
وأفضل قسم الله للمرء عقله فليس من الاشياء شيء يقاربه 
إذا أكمل الرحمن للمرء عقله فقد كملت أخلاقه ومآربه 

وإنني لأشهد بالله أن الشيخ عبد الرازق عفيفي – يرحمه الله – كان من العلماء القلائل الذين جمع الله لهم بين وفرة العلم ووفر العقل وبعد النظر فكان مثالا للداعية المسلم الحق الذي يدعو إلى الله على بصيرة وإلى جانب تعقل الشيخ وبعد نظره فقد تميز – رحمه الله – بسعة علمه ومقدرته على الفهم الدقيق والاستنباط الواعي والتمييز المستبصر . 

إن كل من رأى الشيخ وبعد نظره فقد تميز – رحمه الله – بسعة علمه ومقدرته على الفهم الدقيق والاستنباط الواعي والتمييز المستبصر . 

إن كل من رأى الشيخ وجلس إليه يشهد له بحنكة باهرة وحكمة ظاهرة واطلاع واسع وعدم خوضه فيما لا يعنيه وإعراضه عن التحدث في الموضوعات ذات الحساسية وهو مع ذلك فقيه بواقع أمته ومطلع على ظروف عصره ، يعيش آمال الأمة وآلامها ساعة بساعة ولحظة بلحظة . 

ولقد أكسبته هذه الخصال الحميدة والسجايا الحسنة احترام الناس له وتقديرهم لعلمه وفضله حتى أصبح موضع تقدير الجميع علماء وعامة . 

يقول فضيلة الشيخ عبد الله بن محمد العجلان : كان الشيخ – رحمه الله – كثير الصمت يفرض احترامه على جالسيه كثير التأمل شديد الملاحظة ، وافر العقل ، نافذ الفراسة . 

وقال فضيلة الشيخ محمد بن ناصر العبودي : ما رأيت رجلا من المصريين أعقل من الشيخ عبد الرزاق – رحمه الله – جمع بين العلم والعقل فيا سعادة من جمع العلم والعقل إذ لا يستغنى أحدهما عن الآخر . 

لقد كان الشيخ – يرحمه الله – صافي الذهن ، بعيد النظر ، ينظر الى عواقب الأمور ويوازن بين المصالح والمفاسد ويبين لجالسيه وطلابه أن التعجل والتهور وعدم النظر في وعدم النظر في العواقب ، يجلب على الأمة ويلات كثيرة فلله دره من عالم فحل وعاقل متأدب وداعية محنك لم يهزه طيش ولم يستفزه خرق . 

ولقد صدق من قال : 

إذا تم عقل المرء تمت أموره وتمت أمانيه وتم بناؤه 

وقال أبو بكر بن دريد : 

العالم العاقل ابن نفسه أغناه جنس علمه عن جنسه 
كن ابن من شئت وكن مؤدبا وإنما المرء بفضل كيسه 
وليس من تكرمه لغيره مثل الذي تكرمه لنفسه 

مواهبه وسجاياه : 

لقد كان الشيخ عبد الرزاق – يرحمه الله – يتمتع بمواهب وسجايا وخصال قل أن تجتمع في غيره فقد كان – رحمه الله – يتحلى بسعة العلم والأناة والحلم والهدوء في المحاورة والمناقشة والقدرة على الإقناع وتقريب الأمور إلى الأذهان . 

يقول أحد طلابه : لقد حباه الله قوة الحافظة ودقة الملاحظة وسرعة الفهم وسيلان الذهن وحصافة الرأي مع اتسامه بالورع والزهد والتواضع ولين الجانب وكان كثير الصمت قليل الكلام إلا فيما ترجحت فائدته ومصلحته . أ ه . 

وبالجملة فقد كان الشيخ – رحمه الله – يتمتع بصفات حسنة وسجايا كريمة . لقد كان مثالا يحتذى في أدبه وعلمه وأخلاقه وقدوة في تصرفاته . لقد كان موهوبا . 

صفات الخلقية : 

إن من عاصر الشيخ عبد الرازق – رحمه الله – وخالطه وعاشره يتفق معي أنه كان رجلا قوي الشخصية متميز التفكير مستقل الرأي نافذ البصيرة ، سليم المعتقد حسن الاتباع ، جم الفضائل ، كثير المحاسن ، مثال العلماء العاملين والدعاة المصلحين فيه عزة العلماء وإباء الأتقياء ، غاية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع حكمة ولطف وبعد نظر لا يجابه أحدا بما يكره ولا ينتصر لنفسه . 

كان زاهدا عابدا أمينا صادقا كثير التضرع إلى الله قريب الدمعة زكي الفؤاد ، سخى اليد ، طيب المعشر ، صاحب سنة وعبادة ، كثير الصمت ، شديد الملاحظة ، نافذ الفراسة ، دقيق الفهم راجح العقل ، شديد التواضع ، عف اللسان . وبالجملة : فقد اتصف الشيخ – رحمه الله – بصفات جميلة وخلال حسنة وشيم كريمة ، يجمال بنا أن نتناولها بشيء من التفصيل . 

زهده وعفته : 

إن الزهد في الدنيا معنى جميل ، لا يستقم إلا لكل نفس كبيرة فهو خير معين على التفرغ للعظائم وأقوى محقق لمعاني القوة في النفس والعقل والبدن . وأكبر عامل على صفاء القلب وصوله عما يتورط فيه من الحقد والغل والحسد وأدعى شيء الى العفاف والترفع عن السفاسف والى عزة النفس والصدع بالحق ومقاومة الشر 

وعلى الجملة فهو كنز النفس العظيمة وميزة الصفوة المختارة والخيرة الأبرار . 

والزهد ليس كما يزعم بعض الجاهلين قبوعا عن كل جليل وعظيم من الاعمال وليس الزهد كما يخيل للحمقى والمغفلين الذين غرر الشيطان بهم . هو الذلة والمسكنة والفقر والمتربة والضعف والحاجة والكسل اللاصق بالارض القانع بالدون من الحياة . 

لكنه زهد تربية وزهد النفس التي تعف فيما تملك وتترفع عن أن تمد عينيها الى ما لا تملك إنه العزة التي لا يذلها مطمع من مطامع الدنيا ولا تغريها شهوة من شهواتها إنه زهد القلب وعفة الروح وطهارة الجوارح إنه التجرد الكامل من رق النفس وأهوائها وشهواتها . 

لقد كان زهد السلف الصالح رضي الله عنهم وخشونة ملبسهم وجئوبة مطمعهم ، من أبلغ عوامل الرهبة في قلوب أعدائهم وأوكد اسباب خضوع الدنيا لهم . 

وعندما خلف من بعدهم خلف خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات ورغبوا في العاجل وأعرضوا عن الآجل ، تبددت الرهبة من صدور أعدائهم وتمنعت الدنيا وعزت على عمالهم وتكالبت عليهم الأمم وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول : " يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها " فقال قائل أو من قلة نحن يومئذ ؟ قال " بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن " . فقال قائل : يا رسول الله وما الوهن . قال : " حيث الدنيا وكراهية الموت " . 

لقد كان الشيخ عبد الرزاق عفيفي – رحمه الله – رمزا ومثالا يحتذى وقدوة تؤتسى في الزهد والورع وإنكار الذات . 

كان زاهدا في الدنيا متقللا منها معرضا عنها ، متحليا بالطاعة ، مستشعر العفاف والكفاف ، مقتصرا من نفقته وملبسه على ما تدعو اليه الحاجة والضرورة . 

لقد كان – رحمه الله – متواضعا في مسكنه ومأكله ومشربه وسائر أموره وما عرفت الدنيا طريقا الى قلبه ولم يكن يهتم بها ومع أن غيره ممن هو دونه كان ينقلب في النعيم وينام على الوثير من الفراش ، كان الشيخ – رحمه الله – متواضعا في مسكنه ومشربه وسائر أموره وما عرفت الدنيا طريقا الى قلبه ولم يكن يهتم بها ومع ان غيره ممن هو دونه كان يتقلب في النعيم وينام على الوثير من الفراش يؤثر خشونة العيش وعدم التوسع في الملذات على الرغم من أنه مد بأسبابها . 

والبرهان على أنه ليس طالب مجد دنيوي أنه ما سلك سبيلا لازدياد كسب مادي وما أكثر سبل الكسب المادي لو أرادها ومما يؤكد ذلك ويدعمه أنه كان – رحمه الله – محبا للتستر بعيدا عن المظاهر والتصدر يكره الشهرة ويأبى أن تسلط عليه الأضواء ويبتعد عن وسائل الإعلام بعدا لا هوادة فيه . 

يقول أحد طلابه : لقد جاء الشيخ إلى السعودية على علمه وسجيته لم يجتذبه طمع في مال أو جاه أو منصب وقد علم الله صلاح نيته فانقادت له كل أسباب العز الدنيوي وهو لم يطلبها فكان في هذه المملكة أستاذ جيل بحق . 

قلت : ومما لا ينكر من أخلاقه الظاهرة وزهده وورعه ، كراهيته الشديدة للمدح والثناء عليه وتقبيل رأسه ويديه فما كان يرضى من أحد أن يثنى عليه أو يبالغ في مدحه . 

وأما عفة الشيخ وتعففه فهو بحر لا ساحل له وقد تكفي الإشارة إن لمة تسعف العبارة وصفوة القول أن الشيخ – رحمه الله – كان شديد التعفف ، غاية في الزهد ، نموذجا للأسوة الحسنة والقدوة الصالحة . 

كما كان رحمه الله عف اللسان عفيف النفس طاهر الذيل ، بعيدا عن المحارم ، مجانبا للمآثم . 

يبيت مشمرا سهر الليالي وصام نهاره لله خيفة 
وصان لسانه عن كل إفك وما زالت جوارحه عفيفة 
يعف عن المحارم والملاهي ومرضاة الإله له وظيفة 

تواضعه : 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله أوحى إلى أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغى أحد على أحد " . والتواضع هو انكسار القلب لله وخفض جناح الذل والرحمة للخلق ومنشأ التواضع من معرفة الإنسان قدر عظمة ربه ومعرفة قدر نفسه فمن عرف نفسه وتواضع لربه فإنه لا يتمرض على خالقه باقتراف الجرائم والآثام كما أنه يعامل الناس معاملة حسنة بلطف ورحمة ورفق ولين جانب ، لا يزهو على مخلوق ولا يبالي بمظاهر العظمة الكاذبة ولا يترفع عن مجالسة الفقراء والمشي معهم وإجابة دعوتهم ومخاطبتهم بالكلام اللين ولا يأنف من استماع نصيحة من هو دونه . قال تعالى : ( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً ) . 

لقد كان الشيخ عبد الرزاق عفيفي لين الجانب ، سهل الخلق ، شديد الزهد في أعراض الدنيا ، يلبس الخشن من الثياب ويرتاح لذلك ويعلله بأنه يناسب بدنه صحيا ولم يكن له ترتيب خاص به في حياته كما هي عدة الأثرياء والوجهاء ، كما أنه ليس له ترتيب خاص به في مجلسه وطعامه ولقائه بالعلماء والعامة وطلبة العلم وكان يجلس حيث ينتهي به المجلس وكان كثير التأمل ، شديد الملاحظة ، يؤثر الصمت ولا يتكلم إلا عند الحاجة ولا يزيد عن المطلوب منه وكان لا يتشدق في الكلام ولا يتكلف ما ليس عنده ولا يزهو على أحد بعلمه ولا يترفع على جلسائه بل يباسطهم ويمتزج بهم ومع هذا فهو بتواضعه متميز بخفض جناحه لطلابه وجلسائه ، متعزر قد زاده التواضع رفعة وخفض الجناح شرفا . 

يقول الدكتور عبد الله بن حافظ الحكمي : كان الشيخ عبد الرزاق عفيفي – رحمه الله – محل القدوة والأسوة ، شديد التواضع تغلب عليه البساطة في مجلسه ، إذا ارتاح لمحدثه استرسل في ذكر الأحداث والمواقف ونزل معه على قدره صغيراً كان أو كبيراً .

وقال الدكتور محمد بن لطفي الصباغ : كان الشيخ عبد الرزاق متواضعاً يكرم الصبيان والفتيان ولا يدعوهم إلا بألقاب التكريم ، وقد رأيته يوم أن جاء الشيخ حسن حبنكة أحد كبار علماء بلاد الشام لزيارة مفتي المملكة الشيخ محمد بن إبراهيم –رحمه الله – رأيته في قمة التواضع إذ كان يؤثر الكثيرين في الجلوس في المقاعد المتقدمة مع أنه أحق منهم بهذا التقديم .

صدقه وأمانته :

إن من أعظم مكارم الأخلاق التي أمر الله بها وأمر بها رسوله صلى الله عليه وسلم الصدق . قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)وقال صلى الله عليه وسلم " إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة "

لقد بلغ الشيخ عبد الرزاق عفيفي – يرحمه الله – من الصدق والأمانة مبلغاً وغاية جعلته موضع التقدير والاحترام والتوقير من طلابه ومحبيه كان لا يتكلم إلا بما يعتقد أنه الحق وكان يؤثر الصمت في بعض الأوقات ولكنه إذا تكلم في أمر من الأمور أقنع محدثه لقوة حجته وصدق لهجته وبعده عن الكلام المبتذل والتلون في الحديث ، وهذه الصفات الحسنة والخلال الحميدة جعلت الشيخ يحتل مكان الصدارة بين أساتذة الكليات والمعاهد العلمية والمؤسسات الدعوية بالمملكة .

ويؤكد هذا أحد طلابه قائلاً : عرفت الشيخ عبد الرزاق أستاذاً ماهراً وبحراً زاخراً بمختلف علوم التفسير والعقيدة والفقه والأصول وغيرها من جوانب العلوم الشرعية واللغة العربية وعرفته كذلك محدثاً واعظاً ومرشداً أميناً جم المعرفة غزير العلم متواضعاً كثير الزهد والتقشف مقبلاً على الله في جميع أقواله وأعماله.

قلت : ومن قرأ فتاوي الشيخ واستمع إلى ردوده على المستفتين يدرك أنه كان – رحمه الله – صادقاً في قوله أميناً في نقله لكلام أهل العلم ومذاهبهم وانه – رحمه الله – كان يلتمس الحق من وجهته ، ويتبعه من مظانه.

حلمه وسعة وصدره :

من الصفات الحميدة والفضائل الرشيدة ، التي ميز الله بها الإنسان على غيره من بقية المخلوقات فضيلة الحلم .

فالحلم من أشرف الأخلاق وأنبل الصفات واجمل ما يتصف به ذوو العقول الناضجة والأفهام المستنيرة . وهو سبيل كل غاية حميدة ونتيجة حسنة ونهاية سعيدة .

ولقد بين رسول الله منزلة الحليم وما له من أجر وثواب عظيم عند الله وكفى بمحبة الله له ، وثناء رسول الله عليه ودليل ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما ان النبي قال : لأشج عبد القيس " أن فيك خصلتين يحبهما الله : الحلم والأناة " رواه البخاري ومسلم وفي سنن أبي داود أن المنذر الأشج قال : يا رسول الله أنا أتخلق بهما أم الله جبلني عليهما ؟ قال : " بل الله جبلك عليهما " قال : الحمد لله الذي جبلني على خلتين يحبهما الله ورسوله .

وبلوغ الحليم هذه المنزلة ليس بعجيب ولا غريب ذلك أن الحلم هو سيد الفضائل وأس الآداب ومنبع الخيرات قال الله تعالى )وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً) (الفرقان:63) 

قال عطاء بن أبي رباح في تفسير قوله تعالى (هوناً) " حلماء علماء "

وقال أكثم بن صيفي : " دعامة العقل الحلم وجماع الأمر الصبر وخير الأمور العفو "

وقال عطاء بن أبي رباح : " كان يقال ما أضيف شئ إلى شئ مثل حلم إلى علم "

ولقد من الله تعالى على فضيلة الشيخ عبد الرزاق عفيفي فجمع له بين أكرم خصلتين وأعظم خلتين : هما العلم والحلم والعالم العظيم حقاً كلما حلق في آفاق الكمال اتسع صدره وامتد حلمه وعذر الناس من أنفسهم والتمس الأعذار لأغلاطهم .

يقول الدكتور محمد بن لطفي الصباغ : من الصفات التي تميز بها الشيخ عبد الرزاق سعة صدره ، وبعد نظره وزهده في الدنيا ومتاعها .

كان رحمه الله من سعة صدره يتحمل مسيرة جميع أصناف البشر على اختلاف أجناسهم وألوانهم وعوائدهم وأخلاقهم وتباين آرائهم لا يمل حديثهم ولا يسام من سماع مشكلاتهم ولا يغضب من كثرة أسئلتهم وفتاواهم ويؤكد هذا فضيلة الشيخ يوسف المطلق فيقول : كان الشيخ عبد الرزاق يشجع على العلم والدعوة وكان يخصص وقته بين إجابة السائل شخصياً أو تحريرياً وما كان يسأم من السائلين بل كان يبذل جهده حتى يفهم سائله .

وبالجملة فقد كان رحمه الله رحب الصدر عميق الفكر واسع المدارك حليما رفيقا لا يواجه أحدً بما يكرهه وذلك لسعة صدره وغزارة علمه وحيائه رحمه الله .

كرمه ومروءته :

الكرم في اصطلاح العلماء هو التبرع بالمعروف قبل السؤال والإطعام في المحل وإكرام السائل مع بذل النائل .

والشيخ عبد الرزاق رحمه الله كان كريماً كرماً أصيلاً لا يتكلف لأحد وكان يكره المباهاة والمفاخرة يقدم ما تيسر من الطعام ومما كان يعده لنفسه وكان بذلك قادراً على أن يقيم في كل يوم وليمة وكان إذا علم بمجئ عالم أو صديق يعرفه دعاه إلى الطعام وكان طعامه طيب النكهة شهي المذاق كان يفد إلى بيته طلبة العلم والعلماء والدعاة والذين يبغون الشفاعة في أمر من أمورهم فكان بيته ملتقى الضيوف وذوي الحاجات ومنتدى العلماء وطلبة العلم كان جواداً بالخير جالساً على محجة باررة للضيوف .

وهذه الصورة المشرقة عن كرم الشيخ ومروءته تعتبر بمثابة دعوة مفتوحة إلى التنافس في الخير والتسابق في ميادين الفضيلة والبعد عن الشح والحرص ذلك أن الإسلام دين يقوم على التعاون والبذل والإنفاق ويحذر من الأنانية والإمساك ولذلك رغب صلى الله عليه وسلم في أن تكون النفوس بالعطاء سخية والأكف بالخير ندية ووصى أمته بالمسارعة إلى دواعي الإحسان ووجوه البر وبذل المعروف وإلى كل خلق نبيل .

وأما مروءته فهي بحر زخار ونهر غمر ولا شك أن المروءة من شواهد الفضل ودلائل الكرم وهي حلية النفوس وزينة الهمم.

إن المروءة كلمة يراد بها الشهامة والرجولة ونصرة المظلوم وكف يد الظالم وبذل الإحسان وقرى الضيف وكل هذه المعاني الحسنة والخلال الطيبة كانت من أبرز سمات الشيخ عبد الرزاق بل كانت أس حياته ومفتاح شخصيته وكأن لسان حاله 

يقول :

وإني لتطريني الخلال كريمة طرب الغريب بأوبة وتلاق 
وتهزني ذكرى المروءة والندى بين الشمائل هذه المشتاق
فإذا رزقت خليقة محمودة فقد اصطفاك مقسم الأرزاق 
فالناس هذا حظه مال وذا علم وذاك مكارم الأخلاق 

احترامه لنفسه وحسن معاشرته لغيره :

إن الخلق الحسن والأدب الجم هما المعيار لسلامة النفس من الآفات الظاهرة والباطنة ، ولقد جمع الشيخ عبد الرزاق ولا أزكى على الله أحداً أخلاقاً عالية وأداباً سامية ، إلى جانب كرمه وعفته وزهده ومروءته لا يعرف ذلك عنه إلا من خالطه عن قرب ونهل من علمه واستفاد من تجاربه وفضلاً عن ذلك فإن الشيخ رحمه الله كان ذا هيبة ووقار بريئاً من الكذب بعيداً عن التصنع مستقل الرأي لا يدعي ما ليس فيه ولم يكن متكبراً ولا ذليلاً وكان يعرف لنفسه قدرها ولم يكن من شأنه التلاعب بالأقوال والقضايا الجدلية المؤدية إلى العبث بالحقائق بل كان جاداً يكره أن يحوط نفسه بمظاهر العظمة الكاذبة .

ولا شك أن هذه الصفات الحسنة والخلال الكريمة جعلت الشيخ موضع تقدير واحترام وإكبار من أقرانه من العلماء ومن طلابه ومحبيه وعارفي فضله والفضل فضله والفضل يعرفه ذووه.

وفضلاً عن ذلك كله فإن الشيخ –رحمه الله كان غاية في حسن المعاشرة وقدوة في روعة المؤانسة لا يحسد ولا يحقد مجلسه مجلس خير وعلم ومحله محل حياء وحلم يجيب دعوة من دعاه ويعود المرضى ويتجاوز عمن أساء إليه ويدفع بالتي هي أحسن ويدعو أصدقاءه وطلابه بكناهم وأحب أسمائهم إليهم ويميل إلى محادثتهم والتلطف معهم وهو مع ذلك عزيز النفس موفر الكرامة قوى الإرادة زاهداً فيما عند الناس .

ثباته على مبدئه :

إن الأخلاق إذا تعاورتها الشدائد والأهوال سبكتها وأخرجت منها خلقاً قويماً ثابتاً فالشدائد تظهر ما هو كامن في الإنسان فإما أن تجعل منه خلقاً عظيماً يظل على مر الليالي والأعوام نبراساً يستضاء به وإما أن تقضي عليه فتجعله أثراً بعد عين 

ومن أجل ذلك وجب على من يطمحون إلى الظفر وبلوغ المقاصد العظيمة أن يعدوا أنفسهم لركوب متن الأهول واحتمال الشدائد وتوطين أنفسهم على المكاره .

وما أروع ما قاله صفي الدين الحلي :

لا يمتطى امجد من لم يركب الخطرا ولا ينال العلا من قدم الحذر
ومن أراد العلا عفواً بلا تعب قضى ولم يقض من إدراكها وطرا
لابد للشهد من نحل يمنعه لا يجتن النفع من لم يحمل الضررا
لا يبلغ السؤال إلا بعد مؤلمة ولا تتم المنى إلا لمن صبرا

إن على أصحاب النفوس الكبيرة والهمم العالية والأغراض السامية أن يتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم في ثباته وسائر أخلاقه .

إن السابر لأغوار الشيخ عبد الرزاق والواقف على سيرته والمتتبع لمراحل حياته يدرك تمام الإدراك أن الشيخ تميز بصفة الثبات على المبدأ فما عرف منه التذبذب في الرأي والتعددية في القول وما عرفت المداهنة والمجاملة طريقاً إليه بل كان يقول الحق ويقصده ويتحرى الصدق ويؤثره وادل دليل على ذلك إن الشيخ رحمه الله كانت له آراء خاصة في بعض المسائل العلمية لا يذكرها إلا للخاصة من أصحابه ولا يسؤه أن يكون هناك من يخالف فيها وإذا ذكرت أمامه الآراء التي تخالفه لا ينفعل ولا يتشنج لأنها تخالفه بل يقول : لكل رأيه وكثيراً ما كنت أسمعه يقول لمن يستفتونه ويسألونه في أمور دينهم بعد أن يبين لهم الحكم الشرعي فيما سألوه فيه " ما أعرفه قلته إسألوا غيري ؟ وهذا إن دل فغنما يدل على ثقته بنفسه واعتزازه بدينه وخوفه من ربه لا يخشي في ذات الله لومة لائم وفضلاً عن ذلك فقد كان رحمه الله قوياً صلبا لينا سهلاً في الرجوع إلى الصواب وإلى ما يظهر له انه خلاف الحق الذي ثبت بالأدلة الصحيحة الصريحة .

ابتلاؤه وصبره :

الابتلاء سنة من سنن الله الكونية به يتميز الطيب من الخبيث والمؤمن من المنافق. 

إن الشدائد والنوازل تستجيش مكنون القوى وكوامن الطاقات وتتفتح في القلوب منافذ ما كان ليعلهما المؤمن من نفسه إلا حين يتعرض للابتلاء إن من حكمة الله في الابتلاء أن تستيقظ النفس ويرق القلب بعد طول غفلة فتتوجه الخلائق إلى ربها يتضرعون إليه يرجون رحمته وعفوه .

قال العلامة ابن القيم رحمه الله : لابد من الابتلاء بما يؤذي الإنسان فلا حرص لأحد مما يؤذيه البتة ولهذا ذكر الله سبحانه في غير موضع من كتابه أنه لابد أن يبتلي الإنسان بما يسره وما يسؤوه فهو محتاج إلى أن يكون صابراً شكوراً .

قال تعالى : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) .

لقد ابتلى الشيخ عبد الرزاق رحمه الله بابتلاءات عظيمة في هذه الدنيا ونزلت به كوارث شديدة فلم تضعفه هذه الابتلاءات وتلك الكوارث بل كان صابراً محتسباً ومن هذه الابتلاءات التي ابتلى بها الشيخ في حياته أنه أصيب نصفي وعافاه الله منه وأصيب بعدد من الأمراض فكان نعم العبد الصابر وقتل ولده الأكبر أحمد عاصم فتلقى الخبر صابراً محتسباً ثم توفى أصغر أبنائه عبد الرحمن فكان كذلك غاية في الصبر والرضي بقضاء الله وقدره ثم توفى ابنه عبد الله فجأة فكان أيضاً مثالاً في الصبر والاحتساب .

ومما يدل على صبر الشيخ وتجلده أنه لما جاءه خبر وفاة ابنه أحمد وهو مدير ومحاضر في المعهد العالي للقضاء لم يتوقف عن برنامجه اليومي بل جاء إلى طلابه وألقى المحاضرة عليهم دون تأثر أو تعلثم .

فرحم الله الشيخ رحمة واسعة وضاعف مثوبته.

نظرته إلى المجتمع ونظرة المجتمع إليه :

أما نظرته إلى المجتمع الإسلامي فقد كان الشيخ رحمه الله يعيش عصره ويدرك بعمق شراسة الغزو الفكري الاستعماري للمسلمين ويعرف التيارات الفكرية والسياسية التي تسود العالم وتغزو بلاد المسلمين يعرفها تمام المعرفة ويدرك واقع الأمة الإسلامية تمام الإدراك ويعي قضاياها ويعيش أحداثها ساعة بساعة ولحظة بلحظة وكانت معرفته بالرجال المعاصرين من الأعلام وغيرهم معرفة دقيقة وكان حكمه عليهم حكما سديدا ، يعرف أوضاعهم الاجتماعية وعادات بيئاتهم ومدى تأثرهم بذلك كله .

كان قوي العزم في معالي الأمور ، لا يعتريه فتور ولا خور في نصر العقيدة الصافية والمبادئ الإسلامية ولا يقعده عن البلاغ رغبة ولا رهبة ولا خوف من ذي سلطان لأن القلب الذي أشرب حلاوته الإيمان يكتسب قوة روحية وحصانة دينية ونوراً ربانياً فلا يجد أحد لإغوائه سبيلا . 

أما نظرة المجتمع إليه فقد كانت نظرة تقدير واحترام وإكبار ، ذلك أن الشيخ – رحمه الله – كان محبوبا من المجتمع ومن كل من عرفه وخالطه وتتلمذ على يديه كما كان محل التقدير والإجلال من كل الناس على اختلاف درجاتهم وطبقاتهم. 

كان يتميز – رحمه الله – بطيب المعشر والزهد في الدنيا والبعد عن مباهجها وكان يصدق قوله وفعله وكان غاية في التواضع يقدر الناس ويكرمهم مهما كانت منازلهم وقد حببه ذلك لكل من عرفه أو جالسه أو درس على يديه ونهل من مناهل علمه الغزير . 

لقد كان العلماء والعامة وطلبة العلم يقبلون على مجلس الشيخ ويستمعون إلى نصائحه القيمة وتوجيهاته السديدة وآرائه النيرة مع توقيرهم لشخصه وتقديرهم لعلمه ، مع محبة صادقة خالصة يرجى بها وجه الله لعالم بذل علمه ووقته وماله دفاعا عن دينه وذبا عن عقيدته وغيرة على مجتمعه وأمته . 

لقد كان – رحمه الله – حريصا على صيانة المجتمع الإسلامي من الانحرافات العقدية وصيانته من الاعتقادات الشركية ، كان مجاهدا في سبيل الله ونشر دعوة التوحيد بقلمه ولسانه . 

ومما يؤكد هذا ويدعمه ما كتبه فضيلة الدكتور صالح بن سعود آل على قائلا : لقد خبرت فضيلة الشيخ عبد الرزاق – رحمه الله – عن قرب ورأيت فيه ما كنت أقرأ عن علماء السلف من العلم الجم والفقه في الدين والتحلي بمبادئ هذا الدين ، من تواضح وتقي وزهد وورع وصبر وحب لهذه الأمة وحرص على أن تظل كما هو مؤمل منها ، منارة هدى ومصدر إشعاع وموئل عز للإسلام والمسلمين .

المصدر: موقع الشيخ رحمه الله - نقله أحمد السلفي المصري 

مواضيع ذات صلة

التالي
« السابق
السابق
التالي »