الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم و بارك على المبعوث بخير دين رحمة للعالمين و على أزواجه و أمهات المؤمنين و على ذريته و أهل بيته ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين و اشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً أسأل الله الحكيم الحليم أن يحققها لي و لكم و لسائر المؤمنين و أن يميتنا جميعا عليها , و أشهد أن أكرم رسل الله إمام المهتدين و قائد الغر المحجلين و سيد البشر أجمعين المبعوث بخير دين رحمة للعالمين , صاحب الرسالة التي أضاءت العالم بعد ظلمة و آنسته بعد وحشة و نشرت في أرجاءه حقيقة التوحيد و كمال الإيمان و العدالة بين البشرية و الأخوة بين المؤمنين محمد بن عبدالله صلى الله عليه و على آله الأتقياء البررة , المخلصين الأصفياء الذين علت منزلتهم بعشرته و الإقتداء به في سيرته و صفاته حتى صاروا أعز الأمم و أصبحوا لمن بعدهم خير المثل , كنتم خير أمة أخرجت للناس .
( هذه خطبة الشيخ محمد بن عبدالوهاب البنا رحمه الله التي حفظها طلابه لذكره إياها في بعض دروسه )
أما بعد ..
فهذه خطرات أكتبها من حياة شيخنا و والدنا محمد بن عبد الوهاب بن مرزوق البنا رحمه الله كما سمعناها منه في دروسه , و مواقف حضرتها معه أرجو أن أوفق في ذكرها لأخذ العبر من حياة هذا الرجل المجاهد في نشر التوحيد و السنة نسأل الله أن يجعله مع النبيين و الصديقين و الشهداء .... آمين
ولد شيخنا – رحمه الله – في مدينة القاهرة عام 1333 هـ 1916 م في جوٍ تسوده الصوفية وجهل بعقيدة أهل السنة و الجماعة وفي الأسماء و الصفات , ولديهم العصبية المذهبية , و قلة في أهل السنة و الجماعة , و كان والده شيخا أزهرياً و لكن على الطريقة الصوفية و متعصب لمذهبه , يقول الشيخ رحمه الله :
( نشأت في هذا الجو الصوفي ولا أعرف شيئا عن السلفية و أهل السنة و الجماعة , و كنت أتعجب من والدي الذي كنت أراه يتوضأ ثم عندما تمسه الوالدة عند مناولتها للفوطة يغضب كثيراً و يقول لقد انتقض وضوءي , و يذهب و يعيد الوضوء مرة أخرى , و في ذلك الوقت لا يوجد كهرباء و لا سخانات , فكنت أستغرب كيف يرى أن مس المرأة ينقض و الوالدة لا ترى ذلك !! و أقول أن الدين هو واحد , و كان لي عمٌ اسمه الشيخ سليمان ذكرت له استغرابي و حيرتي أن أبي يرى مس المرأة ينقض و نحن في المدرسة درسنا أنه لا ينقض , فأعطاني كتاب الفقه على المذاهب الأربعة فزادت حيرتي )
ثم في عام 1936 م عمل رحمه الله في الأوقاف يقول رحمه الله :
( و كان يعمل معنا شخص في سن والدي اسمه محمد صادق عرنوس و كان شاعراً و أديباً رآني أصلي و قال لي يا محمد أفندي أنا أصلي معك و كنت في ذلك الوقت أحافظ على الصلاة أنا و والدي و لله الحمد , فكنا نصلي أنا و محمد عرنوس و نقرأ من الكتب مثل كتاب زاد المعاد و قد أفادتني هذه القراءة و جعل مخي يتفتح في القراءة و المناقشة )
و كان شيخنا يذكر دائما أن الله سبحانه و تعالى هو الذي من عليه بالهداية حيث كان بفطرته يعلم أن ماعليه القوم ليس بالمنهج الصحيح و لكن الله سبحانه و تعالى و جهه إلى الخير يقول رحمه الله:
( صرت أحب القراءة و أنزل اشتري الكتب و ربنا سبحانه و تعالى إذا أراد للإنسان خيراً يوجهه إلى الطريق الصحيح , وجدت في الأزهر مكتبةً صغيرة بها شاب اسمه محمد منير الدمشقي فقلت له أنا ما أعرف الكتب؛ و المسلمون مختلفون فدلني على كتب استفيد منها , فكنت أشتري منه كتب بقيمة خمسين قرش شهريا –جزاه الله خيرا- مافي كتاب سلفي إلا كان يعطيني إياه , و أنا كنت ماهراً في القراءة , أقرأ و ذاكرتي تحفظ مباشرةً , و كانت تعجبنا جماعة اسمها الجمعية الشرعية للشيخ محمد أمير خطاب , صلاتهم طيبة و كنت أصلي معهم , و كنت ساكناً في العباسية و كنت أحضر دروسهم في شارع 10 مسجد جماعة الشريعة , وكان وكيل الجمعية اسمه علي حلوى يلقي دروس بها و كنت احضر درس الأربعاء , صحتي كانت طيبة الحمد لله و كنت محافظاً على نفسي و كانت من إرادة رب العالمين الذي وجهني أن علي حلوى كان يقرأ في التوحيد و يقول : ربنا لافوق و لا تحت , ولا على اليمين و لا على الشمال , وكان ماتردياً لأن الأشاعرة يقولون أن الله في كل مكان و كان يقول من اعتقد أن الله في السماء فإنه كافر ولا يقول إنسان أين الله !! و كان من الكتب التي أعطاني إياها محمد منير دمشقي كتاب التوحيد و إثبات صفات الرب لابن خزيمة رحمه الله و قد قرأته و كان في ذهني حديث معاوية بن حكم السلمي ( يقصد رحمه الله ماورد في الحديث عندما سأل الرسول صلى الله عليه و سلم الجارية أين الله ؟ فقالت في السماء فقال اعتقها فإنها مؤمنة ) فقلت لعلي حلوى : يا شيخ تقول أن من قال أن الله في السماء فهو كافر و الرسول صلى الله عليه وسلم قال للجارية إنها مؤمنة في حديث معاوية بن حكم السلمي في صحيح مسلم ؟؟ !! فقال الشيخ علي حلوى أصلاً هي جاهلة !! فقلت له يا شيخ الرسول صلى الله عليه و سلم جاء ليقر الجاهل على كفره أم ليعلم الجاهل ؟ و كنت في أثناء هذه المناقشة ليس لدي فكرة سلف و خلف ’ فقال علي حلوى : يابني علم السلف أسلم و علم الخلف أعلم و أحكم , فقلت : ايش السلف و الخلف ؟ فقال : السلف هم رسول الله و أصحابه , فقلت : أعوذ بالله أعوذ بالله الخلف أعلم بالله من رسول الله , و كأنني ألقيت عليه ذنوبا من ماء على رأسه فقام إلي خمسة من الرجال يريدون ضربي و يقولون وهابي وهابي هذا من أنصار السنة حامد فقي فأرادوا أن يتمكنوا مني فوضعت يدي داخل جيبي لأوهمهم أن بداخلها سلاحاً و هربت منهم و الحمد لله .. وفي تلك الليلة لم أنم و أخذت أفكر في كلام علي حلوى ايش السلف و الخلف ومن هم أنصار السنة و الشيخ حامد فقي ؟ )
و هنا يا اخوة نرى أن من أراد الله به خيراً يفقهه في دين الله و هذا ما كان دائما يذكره شيخنا على لسانه في دروسه و يقول والله يابني مش مني هذا من الله هو الذي وجهني و الحمد لله) و نكمل مع شيخنا رحمه الله حديثه ..قال :
( ثم أصبحت مع الشيخ محمد عرنوس أحسن الله اليه و كنا نحفظ سوياً القرآن و قصصت له ما حدث معي البارحة و سألته عن أنصار السنة المحمدية و الشيخ حامد فقي و الظاهر أن الشيخ عرنوس يسمع عن الشيخ حامد فقي لكن لا يعرفه , و عرنوس في توحيد الأسماء و الصفات مثل حال الناس و لكنه كان جيداً في توحيد العبادة , قال لي عرنوس هو رجل عالم , فقلت إذاً نذهب إليه . )
ثم يذكر الشيخ قصة لقاءه مع الشيخ حامد فقي رئيس جماعة أنصار السنة رحمه الله تعالى .
( كان في يدي رسالة صغيرة اسمها " القول الجلي في حكم التوسل بالنبي لمحمد صادق " و كان صديقاً لي فقلت له يا صادق أرى أن هذا الرجل مخلصاً ( أي حامد فقي ) , فقال لي أرسل له رسالة , فأرسلت خطاباً , و جاءني الرد بعد يومين و فيه : أن الإخوان المسلمين همهم السياسة, و الجمعية الشرعية همهم كثرة العبادة , و الشباب الإسلامي همهم الرياضة , و أحسن جماعة في الدين جماعة أنصار السنة المحمدية و لهم مسجد معين , فذهبت إلى مسجدهم و معي صديقي محمد عرنوس , فرأينا الشيخ حامد فقي و صلينا معه الجمعة , ثم سلمنا عليه و قال لصديقي مرحبا بالشاعر الإسلامي , و التحقنا بجماعة أنصار السنة عام 1936م و كان عمري وقتها عشرون سنة , و عندما علم والدي بهذا و رأى تغيري هذا كان يقول لي : أنت وهابي أخرج من بيتي ’ وكان يراني أقرأ و يسألني : ماذا تقرأ ؟ فأريه صحيح البخاري و يسكت , فكنت أسير في تلك الأيام مع الشيخ حامد فقي و الشيخ عبدالرزاق عفيفي و الشيخ محمد زباري و الشيخ محمد خليل هراس رحمهم الله , نمشي سوياً و نقرأ و أستعلم منهم لأني لست بعالم )
و كان الشيخ رحمه الله يذكر لنا دائما لقاءه بمؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا , و هنا أحب أن أنوه أن شيخنا البنا رحمه الله ذكر لنا أن عائلته لا تعود أصلا لعائلة البنا المعروفة و لكن هذا الاسم التصق بهم عند تجارة عائلته مع عائلة البنا في شركة كان اسمها شركة مرزوق البنا فليس له صلة بمؤسس جماعة الإخوان المسلمين , و قد لقيه مرتين فقط يقصها علينا شيخنا في بعض دروسه فيقول :
( حضرت يوماً درساً لحسن البنا و كان يشرح فيه حديث المسيء صلاته , ثم عندما حضر وقت الصلاة قدم شيخاً أزهرياً اسمه الشيخ جوهر , فصلى بنا صلاةً سريعةً مثل نقر الغراب !! فقلت لحسن البنا : يظهر يا شيخ أن الذي صلى بنا فهم أن صلاة المسئ صلاته هي صلاة المحسن صلاته !! و طلبت منه أن ينصحه و لكنه لم يفعل و حاول أن يغيير الموضوع , فعرفت أن جماعة الإخوان المسلمين لم تصلح أحوال الناس , فتركتهم , ثم إني اجتمعت مع بعض أصدقائي حسن جمال وهو رجل يدافع عن العقيدة الصحيحة , و محمد بشار و قلت لهم : أن هذا الرجل منحرف , فقالا : كيف ذلك و هو يذكر ابن تيمية و ابن القيم رحمهما الله ؟ , ثم بعد فترة جاءني محمد بشار وقال لي : أن كلامك صحيح , فقلت له : ماذا حصل , فقال : أمس كانت جلسة مع شيخ من الطرق الصوفية في بيت حسن البنا , فقال حسن البنا : هل حسن جمال موجود ؟ قالوا : لا , فسأل : وهل محمد موجود ؟ فقالا : لا , فقال حسن البنا : إذاً نطفي النور و نذكر الله !! حسن البنا كان يحاول أن يجمع بين كل الجماعات و المذاهب و يكلم الناس حسب ماهو منهجه أو مذهبه مثل الذي على المذهب الشافعي يذكر له أقوال الشافعي و هكذا , كان لقاءي السابق مع حسن البنا عام 1937 م و في عام 1947م كان لقاءي الثاني مع حسن البنا في إحدى التجمعات بعد عشر سنوات من لقاءه الأول معي رآني و صافحني بحرارة و ذكر اسمي و اسم أبي و سألني إن كنت تزوجت أم لا , فقد كانت لديه حافظة قوية جدا )
و قد سافر شيخنا رحمه الله إلى السعودية لإداء فريضة الحج عام 1939م مع الشيخ حامد فقي رحمه الله فيقول شيخنا :
( حججت في سنة 1939م و دعوت الله أن أعيش في هذه البلد و أموت فيها (يقصد السعودية) و كانت هذه حجتي الأولى , ثم ذهبت إلى الحج مرة أخرى عام 1945م و معي الشيخ حامد فقي رحمه الله و كان كلفة الحج تلك الأيام 16 جنيه مصري , و كانت مكة صغيرة جداً كأنها قرية و كان الناس يشعلون الشموع و التقينا بالشيخ عبدالله تلميذ الشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله و الشيخ شويل و قد قاما بتعريفي للشيخ عبدالرحمن السعدي رحمه الله و أرسل لي نسخة من كتبه هدية منه , ثم رجعت إلى مصر و لزمت أنصار السنة المحمدية و الشيخ حامد فقي الذي كان من أغير الناس على السلفية , و عندما عدت إلى مصر عملت في التجارة , ثم ضاق علي الأمر و دعوت ربي أن يعينني على حالتي ,في هذه الأثناء قدم الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله إلى مصر لاختيار أساتذة لمعاهد الدراسات الإسلامية بالرياض فشاء الله أن يختاروني من ضمن الأساتذة وجئت إلى الرياض عام 1370هـ مدرساً في المعهد و كان معي الشيخ عبدالرزاق عفيفي رحمه الله أستاذي في مصر , و التقيت بالمشايخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله و الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله و الشيخ عبدالرزاق حمزة رحمه الله و بقيت معهم في الرياض إلى عام 1372هـ , ثم انتقلت إلى معهد الإحساء سنة 1373هـ , وكان معي مناع القطان من كبار الإخوان المسلمين , و ظللت في الإحساء إلى عام 1380 هـ ثم ذهبت إلى الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ طالباً منه نقلي من الإحساء و تم نقلي إلى وزارة المعارف ثم إلى معهد المعلمين في المدينة النبوية 1381 هـ , ثم اختارني الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله مدرساً بالجامعة الإسلامية , وقد من الله علي بمنحي الجنسية السعودية من الملك فيصل رحمه الله عندما سمعني أتحدث واعظاً بمدينة الطائف , و كنت أدرس في القسم الثانوي بالجامعة الإسلامية حيث كنت أدرس الطلاب الأجانب لمعرفتي باللغة الانجليزية , و كانت من أجمل الأيام التي قضيتها في الجامعة حيث كان معي فضيلة الشيخ ناصرالدين الألباني رحمه الله و كنت رئيس الرحلات و نخرج كل أسبوع مع طلبة الثانوي يوم الخميس و كانوا الطلبة يطرحون مسائل على الشيخ الألباني رحمه الله و في الصبح كنا نعمل تمارين رياضية و كان من طلابي بالجامعة الشيخ محمد آمان رحمه الله و الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله و الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق الذي كان طيباً معنا لكنه تغير و ذهب إلى الكويت)
و قد ذكر لنا الشيخ مرة قصة تدل على حكمته في الدعوة إلى الله , قال :
( كنت مسافراً للدعوة الى ألمانيا و كان معي الشيخ محسن خان الذي قام بترجمة القران الكريم , فمررنا على سوريا , و عبرنا من احدى القرى و جدنا فيها مسجد و بجواره قبر , فدخلت المسجد كي أصلي و نيتي أن أنكر على وجود هذا القبر , و رفض صاحبي الدخول للمسجد , و بعد الصلاة قمت واعظاً و بدأت بكلمة عن حب النبي صلى الله عليه و سلم و فضل الصلاة عليه و الإمام و الناس يستمعون , ثم عرجت على ذكر القبور و الصلاة في مسجد فيها القبور و التبرك بها فقام الإمام غاضباً وقال للناس : قوموا صلوا السنة , فقالوا له يا شيخ أن هذا الشيخ كلامه طيب , فقلت لهم يا إخوة هذا إمامكم و عليكم طاعته , وقمت معهم و صليت السنة مع أني مسافر وليس علي سنة , ثم بعدها بدأت أكمل حديثي , فقام الإمام مقاطعاً حديثي و فتح كتاب و بدأ يقرأ منه , فقال الناس : يا إمام دع الشيخ يتحدث و يكمل حديثه , و احتدوا مع إمامهم و تشاجروا فقمت و اعتذرت منه و قلت للناس أنا سأخرج من المسجد من أراد أن يستمع إلي فليأتي خارج المسجد , فخرج كل من في المسجد و تركوا إمامهم وحيداً و أكملت حديثي معهم )
ثم انتقل الشيخ إلى مدينة جدة عام 1385هـ إلى يوم وفاته فيها بعد ظهر يوم الخميس24 ذو القعدة 1430هـ .
و كان انتقال الشيخ رحمه الله إلى مدينة جدة خير عظيم حيث كان يجول في مساجدها واعظاً و مدرساً وكانت أول مقابلتي معه عام 1416 هـ في مسجده مسجد أنصار السنة المحمدية بحي الصفا بجدة حيث يقيم دروسه و يعلم الناس السنة فترى مسجده بدون محراب ولا منارات و لا قبة , وكان محبوبا من أهل حيه و يعظمونه و يجلونه , ثم بدأ الشيخ بالتفرغ للعبادة في مكة المكرمة حيث اشترى بيتاً فيها و كان يأتينا يومي السبت و الأحد إلى جدة و نلتقي به في درس العصر مع بعض الإخوة السلفيين و بعض عوام الناس من حيّه , حيث كان لطيفا جدا في مناقشته بعض الأمور الفقهية و العقدية و يقول باللهجة العامية ضاحكاً ( اللي مش عاجبه كلامي يقول قبل ما نقفل الدكان ) و كنا نزوره أحياناً في بيته في مكة و نتناول العشاء معه بحضور بعض المشايخ مثل الشيخ ربيع المدخلي حفظه الله و غيره , و كان إذا ودعنا عند باب بيته يظل ينتظر إلى أن نذهب بسياراتنا و لما نطلب منه أن يرتاح و يدخل إلى البيت يقول ضاحكاً باللهجة العامية : أخاف ترجعوا تاني .
و هنا نقف قليلاً لأتحدث عن حب هذا الشيخ الجليل لتلميذه الدكتور ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله حيث كان يحبه حباً شديداً و يجله غاية الإجلال وقد سمعت منه عبارات كثيرة و رأيت منهما مواقف عجيبة تدل على حبهما و إجلالهما لبعضهما البعض , وهي كثيرة جداً أذكر منها , خلال فتنة أبي الحسن المأربي , فمن المعروف أن شيخنا رحمه الله كان في آخر حياته منقطعاً للعبادة في الحرم المكي بين صلاة و صيام و لم يكن لديه إلمام بما يحدث من فتن في الساحة , إتصل بي يوما و صوته يظهر عليه التعجب و يقول : يا ابني إيش اللي حاصل ؟ جاني أبو الحسن المأربي و يقول لي أن الشيخ ربيعا بيتكلم فيه ! إيش حصل ؟ , فقلت له يا شيخ هناك أمور حدثت منه و سوف أصلي العصر معك في الحرم غداً و أخبرك بها إن شاء الله , و بعد صلاة العصر في الحرم وفي طريقنا إلى بيت الشيخ ربيع بسيارة الشيخ رحمه الله قال لي : أنا يابني لم أستطع أن أنتظر إلى العصر و ذهبت إلى الشيخ ربيع بعد صلاة الفجر و أخبرني بكل شيء عن أمر أبي الحسن , و أنا يا إبني ما عهدت على ربيعٍ كذباً قط فالقول ما قاله ربيع , و قد جاءني أبو الحسن بعد صلاة الظهر بأوراق كتبها الشيخ ربيع يريد أن يريني إياها , فلم آخذها منه و قلت له يا أبا الحسن إذهب إلى الشيخ ربيع و اسمع كلامه, ولم آخذ منه شئ . فهذا الموقف يظهر لك ثقة الشيخ في تلميذه ربيع بن هادي المدخلي و قد سمعته مراراً يقول : ربيع تلميذي و شيخي , و يقول : أتحدى أن يأتيني أحد بشخص تكلم فيه الشيخ ربيع ولم يكن الشيخ محقاً في كلامه , و كان عندما يسأله أحدهم عن شخص يقول : إسألوا ربيعا .
الحديث عن الشيخ لا ينتهي و قصصنا و ذكرياتنا معه كثيرة لا تنسى , صاحب وجه صبوح و ضحكة بشوشة يبش في وجه من يعرف ومن لا يعرف , صاحب عبادة ما رأينا مثلها إلا في كتب السلف , فقد كان يحب الصلاة في الحرم و يصلي به جميع الفروض , ومع كبر سنه و صعوبة الركوع و السجود إلا أنه كان يصلي الفرض قائماً و كنت أسمع أناته حين يركع و يسجد , و كان لا يترك صيام التطوع أبداً , و أذكر هنا قصة مفادها , أني كنت معه عصر يوم خميس في الحرم المكي و عند إقامة الصلاة ذهبت مسرعاً إلى ثلاجة الماء أشرب من ماء زمزم , فضربني على رأسي و قال : صم يابني صم يابني أنا ما تركت صيام التطوع منذ كان عمري 18 سنة . وقد كان يرحمه الله كريماً بدون تكلف و يقول : كلوا و اشربوا و لا تسرفوا , أتيت مرة إلى بيته في مكة و معي زوار من أوروبا يزيدون عن الخمسة عشر شخصا , و حدثت الشيخ بالهاتف قبل وصولي بيته بقليل فرحب بهم , و فتح ثلاجة بيته و أخرج كل ما فيها و قدمها لهم و كان الإخوة سعيدين بلقاءه حيث كان الشيخ رحمه الله يتحدث الانجليزية و الفرنسية .
نسأل الله سبحانه و تعالى أن يغفر لشيخنا و أن يسكنه في جنات النعيم و أن يلحقه بالصالحين.
اللهم آمين
أخوكم
أبو زياد خالد بن محمد باقيس
المشرف العام على موقع ميراث الأنبياء